نورية يعقوبي

ولدت نورية يعقوبي بتاريخ 22/1/1967 بمدينة مشرية بالجزائر. عاشت طفولة هادئة وسط عائلة ميسورة الحال، وكانت طفلتهم المدللة المحبوبة النشيطة التي تملأ البيت دفئا وحيوية، وقد أحاطوها باهتمام وحب كبيرين. كانت حياتهم هنيئة رغم مقامهم في بلد الغربة حيث هاجر الوالد من المغرب مع أسرته طلبا للرزق. درست نورية حتى الصف الثالث الابتدائي واضطرت للتوقف بسبب مرض ألم بعينيها. أجريت لها في العام 1976 عملية جراحية في عينيها بالجزائر، إلا أن الأسرة بأكملها اضطرت لمغادرة الجزائر في نفس اليوم الذي تركت فيه نورية المستشفى، وذلك بعد طرد الآلاف من المقيمين المغاربة والتنكيل بعدد كبير منهم إثر حملات الطرد التي راح ضحيتها المغاربة عشية الظروف السياسية المتوترة بين المغرب والجزائر. عادت العائلة إلى الوطن المغرب حانقين وقد خلفوا وراءهم جزءا من ممتلكاتهم وحقوقهم وبعضا من مستحقات رب الأسرة عن سنوات الكدح والعمل التي قضاها بمدينة مشرية الجزائرية. كل ذلك أدى إلى فشل العملية الجراحية إثر مضاعفات ظروف السفر الصعبة.

استقرت الأسرة بمدينة فكيك المغربية مسقط رأس الوالد حيث جذوره وروابطه العائلية. فقدت نورية البصر كليا في عينها اليسرى عام 1978 وما يقرب من 70% في عينها اليمنى. كانت هناك محاولات طبية أخرى بمدينة الدار البيضاء المغربية، ولكنها فشلت كلها. عادت في 1981 إلى مدينة فكيك وانخرطت في عالم الرياضة التي وجدت فيه متنفسا كبيرا.

مرت نورية بمراحل دراسية متعثرة، وتوقفت كثيرا بسبب مرضها إذ كانت تعتمد على حوالي 20- 30% من إمكانية النظر فقط في عينها اليمنى، ورغم ذلك فقد تميزت في دراستها وحصلت على الامتياز من الصف الرابع وحتى نهاية تعليمها الثانوي. فقدت في العام 1987 بصرها بشكل شبه نهائي وانقطعت ثانية عن الدراسة لستة عشر عاما وذلك لعدم وجود مدرسة لتعليم المكفوفين في مدينة فكيك.

ألح عليها في العام 2003 أحد أصدقاء الأسرة وهو الأستاذ عبد العظيم هريرة لتتقدم بطلب اجتياز امتحانات الباكلوريا الحرة شعبة الآداب العصرية المزدوجة، وقد كادت أن تعدل عن فكرة حضور الامتحانات بسبب وعكة صحية لولا إلحاح زوجها وأصدقاءها، وبعد تماثلها للشفاء عقدت نورية عزمها وعكفت على مراجعة الدروس في فترة ثلاثة أشهر بمساعدة عدد من أصدقائها، وكانت متأكدة من رسوبها نظرا للظروف التي مرت بها وحالت دون استعدادها بالشكل الأفضل، ولكن جاءت النتيجة أروع مما توقعت حيث نجحت وبدرجة "مستحسن".

سجلت عام 2004 بتخصص العلوم القانونية بجامعة الحسن الثاني كلية المحمدية، وتعرضت خلال دراستها الجامعية لأزمات صحية كبيرة أهمها مرض الربو مما دفعها للانتقال للعيش بمدينة مراكش ثم مدينة سطات أخيرا وهي يومئذ في سنتها الجامعية النهائية لنيل الإجازة في شعبة القانون الخاص. وقد تلقت نورية مساعدة ودعم وتشجيع عدد من أساتذتها في الجامعة، تمثلت في تسجيل الدروس بالأشرطة المسموعة ومدها بالمراجع الكافية.

تزوجت من أستاذها في مادة الصولفيج سنة 1994، وهو كفيف البصر أيضا، وقد كان لزوجها دور كبير جدا في نجاحها حيث منحها كل الرعاية التي كانت توفرها لها أسرتها، وأخذ بيدها وغير نظرتها التشاؤمية إلى الحياة والقدر، وبفضله تغير مجرى حياتها، وهي اليوم أم لأطفاله الأربعة: 3 أولاد وبنت واحدة، وبفضل مساعدته استطاعت الحصول على أعلى شهادة في مادة الصولفيج، إلا أن أعظم ما حققته إلى جانبه، فضلا عن السعادة الزوجية، كانت عودتها إلى الدراسة من جديد. كما أنها أم مثالية ربت أبناءها بحنان وانشئتهم على الأخلاق الفاضلة والسلوك الحسن، وهي ربة بيت ممتازة ترعى أفراد أسرتها وتوفر متطلباتهم اليومية بكل إتقان.

أما بالنسبة للمجتمع، فقد عانت نورية من جور المجتمع الذي لفظها ولم يقدم لها أية فرصة للاندماج الصحيح، ولم تلتفت إليها أية جهة مسؤولة ولم تعرها أي اهتمام إلى اليوم رغم إنجازاتها إلا من بعض المحاولات الإعلامية التي نشرت قصتها مثل قناة MBC التي استدلت عليها عبر مقال نشرته مجلة نجمة المساء. أما عن مجتمعها المحلي فلم يقدم لها أي دعم ولا مساندة على مختلف المستويات مع أنها في حاجة ماسة إلى الأخذ بيدها للمضي قدما لتحقيق طموحاتها الدراسية والرياضية والاجتماعية ولإنقاذ أسرتها من الحاجة والمعاناة التي تفرزها الظروف المادية والمعيشية. أما على مستوى الشارع المغربي وأهله فتؤكد نورية أنه يتميز بتعاطف كبير مع الشخص الكفيف وذلك نابع من موروثه الثقافي ومقومات ديننا الإسلامي الحنيف.

انخرطت نورية في مجال العمل المجتمعي منذ بداية الثمانينيات كمستفيدة من بعض الجمعيات بمدينة فكيك، وأصبحت عضوا فاعلا ومؤسسا لجمعية تضامن الكفيف والمبصر بالدار البيضاء منذ أواخر التسعينيات واستفادت منها في مجال التسيير الإداري وكان لها الفضل الكبير في ولوجها إلى عالم الإعلاميات وإتقان استخدام الكمبيوتر.

ساهمت نورية في الكثير في الأعمال المجتمعية، فقد كانت وراء اقتراح إحداث قسم التكوين في مجال الإعلاميات للمبصرين والمكفوفين، كما كانت سببا لعقد اتفاقية شراكة بين الجمعية ومؤسسة التعاون الوطني الجهاز الأول في العمل الاجتماعي بالمغرب، وهي مبدعة مشروع تأهيل الفتيات الكفيفات في مجال فنون الطبخ، وهي مشرفة على قسم تعليم الصولفيج بطريقة برايل بمقر الجمعية. وقد قدمت اقتراحات ومشاريع وبرامج عدة للمكفوفين مثل: النقل المجاني للمكفوفين، وانخراط المكفوفين في حصص السباحة، والمكتبة الناطقة لمساعدة الطلبة. شاركت نورية في عدد من التظاهرات ذات الطابع التضامني وحملات التوعية، ودرست مادة الصولفيج وأشرفت على ورش تعليم الطبخ والتنشئة المنزلية للمكفوفات في إطار تطوعي داخل الجمعية.

لنورية العديد من الانجازات وأهمها فوزها بالجائزة الأولى للمهرجان الجهوي الأول لفنون الطبخ المغربي وصناعة الحلويات من تنظيم جمعية البوادر الوطنية للتنشيط الثقافي والاجتماعي في مارس 2006. وهي حائزة على الوسام الأول والمشارفة الأولى والجائزة الأولى في مجال الصولفيج. أما على صعيد الانجازات الرياضية، فنورية حائزة على الحزام الأسود التقني في رياضة الكاراتيه عام 1989، كما تم ترشيحها في العامين 1989 و2008 للمشاركة في البطولة الوطنية لفنون الحرب.

تطمح نورية في التقدم لامتحان المحاماة أو الاستشارة القانونية بعد نيل الإجازة في القانون، وأن تحصل على درجة الدكتوراه في القانون، وأن تدرس القانون كأستاذة جامعية في المغرب أو إحدى الدول العربية. كما تتمنى أن تزور البلدان العربية الشقيقة، وأن تحقق بطولة رياضية وطنية ودولية في مجال الكاراتيه، وأن تتمم دراسة مادة البيانو التي اضطررت للتوقف عنها لأنها لا تملك آلة بيانو خاصة بها. وتتمنى نورية أيضا أن تتقن اللغتين الفرنسية والإنجليزية، وأن تتمكن في يوم من الأيام من كتابة قصة حياتها.

تهوى نورية الموسيقى كثيرا وخصوصا العزف على آلة البيانو، وتهوى الكاراتيه، والطبخ بأنواعه وإعداد الحلويات، والخزف الصيني والسيراميك، وتحب الاهتمام بالأطفال الرضع العجزة والمسنين. وهي مهووسة بالنظافة والتدقيق في ترتيب الأثاث والملابس، وتتقن الكوي والخياطة والتريكو، وتدخل الخيط في الإبرة بنفسها بدون مساعدة من أحد، وأخيرا فقد مارست التجارة الحرة لمدة 3 سنوات.

تستعمل نورية الكمبيوتر وتعتمد على البرنامج الناطق JAWS ، كما تتقن لغة برايل وتستخدمها في تدريس مادة الصولفيج، وتستخدم العصا البيضاء.

تقول نورية أخيرا:

"إن المكفوفين خاصة والمعاقين عامة ضائعون في بلادي ويعانون كثيرا من سجن عاهاتهم ونير المجتمع القاسي، فإذا كنت أنا قد تمكنت من فرض نفسي نسبيا ووجدت الطريق لكي يعرفني الآخرون عن طريق التحدي الرياضي والدراسي، فهناك الآلاف الذين لم تتح لهم هذه الفرصة علما بأنهم متميزون ومنتجون. أتمنى من الحكومات وأصحاب الشأن أن يعيروا الاهتمام الكافي لهذه الشرائح المهمشة في المجتمع فلعلها أكثر إنتاجا وفائدة من ملايين الأصحاء."

للتواصل مع نورية: oum.nassim@yahoo.fr

مواقع توصي نورية بزيارتها: